مقال بحثي بقلم / د. فيصل عبيد العيان*
الحوثيين اداة النظام الايراني في تحقيق تطلعاته للسيطرة على المنافذ البحرية في البحر الاحمر وبحر العرب
الفوضى التي خلقتها مليشيا الحوثي الايرانية بانقلابهم على السلطة الشرعية ادت الى توسع نشاط الجماعات الارهابية كالقاعدة وداعش.
يبقى خيار المواجهة العسكرية وإجبار مليشيا الحوثي الايرانية على الالتزام باتفاق ستوكهولم خيار الضرورة، كما ان النظر الى التهديدات الإرهابية التي يمثلها الحوثيون على أمن المنافذ البحرية في البحر الأحمر وبحر العرب يجب ان يتحل سلم الاولويات لدى القوى الاقليمية والدولية. وحتى الان لا يبدو الحوثيون جادون في الحل السياسي الذي يرون نجاحة يفقدهم موارد مالية تقدر بملياري دولاري يجنونها من ميناء الحديدة والصليف ورأس عيسى.
حققت العمليات العسكرية تحت قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن نتائج مهمه جدا كالتفتيت الاستراتيجي والذي أدي لخلق حال من التوتر الشديد في تشكيلات مليشيا الحوثي الإيرانية مما اجبره على إجراء تغيير مفاجئ في الجبهة الرئيسية واختلال في توزيع وتنظيم التشكيلات الحوثية. كما سيطر التحالف العربي لدعم الشرعية على مساحات واسعة من محافظة الحديدة في ميدي والمخاء وخوخة ووضعت تلك العمليات قوات التحالف والشرعية في وضعية استراتيجية عسكرية جدا هامة على الأرض من خلال الضغط على المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثثين في مسافة تتراوح من 100 الى 140 كيلومتراً. فضلا عن تأثير الحصار البحري في قطع امدادات الأسلحة والصواريخ البالستيه الايرانية عن الميليشيات الي حد كبير وبالتالي التاثير على قدراتهم العسكرية ما يساهم مستقبلا في ترجيح ميزان القوة العسكرية لمصلحة قوات التحالف والشرعية، ليس فقط في ساحل منطقة تهامة وانما تشمل المحافظات الشمالية بما فيها العاصمة صنعاء. وأجبرت العمليات التي تقودها قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية المليشيات للامتثال لقرار مجلس الامن والذي اتخذ تحت الفصل السابع في ابريل عام 2015 بالتالي الموافقة على اتفاق ستوكهولم. وفي حال انجازه كما جاء في بنود الاتفاق سيكون خطوة مهمة جدا لجميع الأطراف الأطراف التي تسعى لاستقرار اليمن وانهاء الصراع بين الشرعية والمليشيات كما سيحد من تطلعات ايران الايدلوجية. اتفاق ستوكهولم يؤكد على أن انسحاب الميليشيات من مدينة وميناء الحديدة الشريان الاقتصادي لشمال اليمن وعصب الحياة لاكثر من 8 مليون يمني يعتبر أهم نتيجة حققها مارتن جريفيث لرمزية المدينة في إطار الصراع وانفاذ الاتفاق يحقق مكاسب مهمة للشرعية والتحالف، بالإضافة الى ذلك حرمان مليشيا الحوثي الايرانية من منطقة لطالما طالبوا بضمها إلى إقليمهم في نطاق مشروع تقسيم اليمن إلى أقاليم فيدرالية يحرمهم بذلك من الموارد المالية الكبيرة التي كانوا يحصلون عليها من موانئ المحافظة، الحديدة والصليف ورأس عيسى النفطي، والتي تقدر ب 2 مليار دولار تذهب إلى صندوق دعم الحرب الحوثية ما يمثِّل بداية انهيار مشروع طائفي تقوده إيران في بالقرب من مضيق باب المندب.
وساهمت العمليات العسكرية في صد المخطط الإيراني الحوثي في خلق قاعدة عسكرية في الساحل الغربي وبالتالي تهديد مباشر للملاحة الدولية في البحر الأحمر ومحيط مضيق باب المندب لا شك ان ألتاثير سيطال قناة السويس وموانئ اوربا وامدادات النفط. فوجود قوارب تفجيرية غير ماهوله بدعم فني إيراني خلق حالة من الرعب والارتباك لدى شركات الملاحة الدولية والتامين وفكر الكثير في تحويل خط الملاحة الى راس الرجاء الصالح مما تسبب سلبيا في رفع تكلفة الشحن والبضائع للمستهلك الاوربي. ففي يناير 2017 استخدم مليشيا الحوثي الايرانية زورقًا يعمل بالتحكم عن بعد لضرب سفينة سعودية، ما أسفر عن مقتل 2 من البحارة وجرح 3 آخرين. وفي إبريل 2017 اعترضت القوات السعودية زورقًا آخر يعمل بالتحكم عن بعد يحمل العديد من المتفجرات حاول استهداف مستودع نفط ومحطة توزيع في جيزان بالقرب من الحدود. وعلى نحو مماثل، أحبطت السعودية في يناير 2018 هجومًا على ناقلة نفط تحمل العلم السعودي استخدمت فيه 3 قوارب انتحارية. هذه القوارب ليست إلا جزءًا من صورة أكبر تحاول فيها مليشيا الحوثي الإيرانية ممارسة الضغط على دول التحالف والشرعية من خلال استهداف البنية العسكرية والمدنية. لذلك فاتفاق ستوكهولم يكشف العمق الاستراتيجي للمليشيات المتمثل بمناطق باجل، والضحي، وبيت الفقيه والمدن والمناطق الأكثر أهمية للقيادة المركزية للمجلس الأعلى السياسي وتربط صنعاء وذمار ذات الثقل السكاني والعسكري بميناء الحديدة. وسيزداد الوضع سوءًا للمليشيات حين تكون هذه المناطق هدفًا تاليًا للتحالف والشرعية تضيق معه مساحة الأرض تحت أقدام الحوثيون وتصبح مناطق العمق مهددة تمامًا.
من ناحية أخرى فان أنصار الله الحوثيون يحصرون الحكم في السلالة الهاشمية دون غيرها من السلالات ويعتبرون كل من يخالف ذلك ناصبي خارج الملة وبناء على هذه القاعدة شنوا حروبهم الستة ضد الحكومة اليمنية رغبة منهم باسترجاع النظام الامامي والعودة الى ماقبل ثورة 26 سبتمبر 1962. كما تمارس الجماعة شتى أنواع الاضطهاد والتفرقة والعنصرية ضد من هو غير حوثي الانتماء او هاشمي وهناك انتهاكات كثيرة ضد ابسط مقومات القانون الدولي الإنساني، كتجنيد أبناء القبائل بالاكراه والزج بهم في حروب عبثية راح ضحيتها الآلاف ونجد ان المقاتلون من غير الهاشمين يطلق عليهم زنابيل تترك جثثهم لتأكلها الحيوانات الشاردة اما القتلى الهاشميون فيتم دفنهم بمقابر جميلة. وفي ميناء الحديدة والمناطق الساحلية، يعامل سكانها بصورة سيئة جدا كعبيد او مواطنين اقل قدرا ايمانا بحقهم الإلهي في الحكم والسيطرة وكل من هو غير هاشمي عليه السمع والطاعة وقبول الاذلال. وتاريخيا ارتبط الجهل والفقر والمرض بحكم الائمة وكذلك كان حال من جاء بعدهم حيث دمروا المؤسسة التعليمية وشوهوا المناهج لإعداد جيل مشبع بالكراهية والعنف متطرف وهي دعوة وتأصيل لمعاداة السامية.
وفي عهدهم أيضا شهدت مناطق مثل التحيتا المجاعة وانتشرت الأوبئة كالكوليرا في عدة مناطق يمنية وتهامة على وجه الخصوص وبالتالي ترك المجتمع اليمني والذي يعيش في هذه المناطق في حالة إنسانية معقدة الى حد يبدو وكأنهم تركوا الى مصيرهم في مواجهة الموت بسياسية قمعية بعيدا عن أي مظهر من مظاهر الإنسانية والقيم.
وتحولت أيضا حقول الألغام في الساحل الغربي لمحافظة الحديدة إلى ساحة موت، تحصد أرواح المئات من الابرياء وتتربص بالأجيال القادمة. خوف وقلقل يحاصر حياة آلاف المدنيين من أطفال ونساء ورجال بسب كمية الألغام التي زرعتها أنصار الله في مناطق متفرقة على طوال الشريط الساحلي مما منع الكثير من ممارسة حياته بشكل طبيعي. وكشفت الفيدرالية العربية لحقوق الانسان في تقرير سابق ان الحوثيين قاموا بزرع أكثر من نصف مليون لغم مضاد للافراد مما أدى لمقتل أكثر من 700 شخص. ونجح مهندسون تم تدريبهم على يد قوات التحالف من نزع وتفكيك 40 ألف لغم.
منذ عام 2015 مد التحالف العربي يد العون والمساعدة لاكثر من 14 مليون يمني تشمل 6 مليون طفل من خلال 13.2 مليار دولار امريكي، وبناء على تقارير الأمم المتحدة اليمن تعتبر ثاني أكبر دولة مستفيدة من المساعدات الإنسانية للامارات. فتم بناء 218 مدرسة وإعادة تأهيلها و46 مستشفى بالإضافة الى موانئ عدن والمكلا وسقطرا والمخا ومطار عدن والريان. وحينما نرى الكره الشديد الذي يحمله المجتمع المدني في الحديدة للمجلس الأعلى السياسي فذلك يعد من المنطق لسلسلة الاحداث والجرائم التي ارتكبت على يد المليشيات. اما ما جاء ذكره في تقرير فريق الخبراء لمجلس حقوق الإنسان والذي صدر في أواخر عام 2018 فافتقر إلى العديد من العوامل الأساسية حتى يرتقي لأن يصبح تقريراً يعتد به وتنقصه المهنية في استعمال طرق التحقيق والتحري للأحداث ولا يتوافق مع معايير الأمم المتحدة لأي بعثة من بعثات تقصي الحقائق، وكفرضيات فهي بعيدة جدا عن القانون الدولي لحقوق الانسان وهذا ما أكده الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة لحقوق الانسان في العراق د. طاهر بومدرا بتصريح اعلامي له بعد الفعاليات الجانبية لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان.
ومن ناحية أخرى فان جهود قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية مستمرة من خلال تجهيز قوات يمنية لخوض عمليات عسكرية مدنية ذات قدرات مهام خاصة لخوض حرب المدن وذلك لحفظ الأمن في المناطق المحررة ضد أي تشكيلات حوثية، ولعل تكرار تهديد أنصار الله باتباع منهجية الأرض المحروقة كان دافعا مهما للاستعداد للهمجية التي يتبعها الحوثي. وقوات التحالف تصر على بناء منظومة دفاعية امنية وطنية تحت سلطة الحكومة الشرعية للحفاظ على أمن وسلامة الجغرافيا اليمنية والمجتمع ويتم ذلك بدمج القوات الموالية والمقاومة الشعبية بالجيش الوطني. ووجود قدرات وطنية عسكرية سيكون دائما قوة لارغام الحوثيين على الالتزام باتفاق ستوكهولم والمرجيعات الثلاث التي تمثل قرار مجلس الأمن رقم 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والتي تهدف الى انهاء الحرب الدائرة بين الشرعية ومليشيا الحوثي الإيرانية.
*نائب رئيس جامعة ربدان