عندما بدأت الحكومة الانتقالية في السودان برئاسة عبد الله حمدوك مهامها في منتصف سبتمبر 2019، كان الهم الأكبر هو كيفية وقف التدهور السياسي والاقتصادي المريع الذي تسبب فيه حكم المؤتمر الوطني المخلوع الذي استمر 30 عاما ومواجهة تحدي الثورة المضادة التي يقودها عناصره.
لكن بعد نحو 120 يوما من تشكيلها وجدت الحكومة الانتقالية نفسها أمام تحد آخر تمثل في مواجهة تفشي وباء كورونا الذي ألقى بظلال قاتمة على الحياة الصحية والسياسية والاقتصادية في كافة دول العالم ومن بينها السودان المثقل بإرث ضخم من المشكلات الاقتصادية والأمنية.
ورصدت "سكاي نيوز عربية" أبرز النجاحات التي تحققت والتحديات الماثلة خلال الـ250 يوما الأولى من عمر الفترة الانتقالية.
ووفقا لساسة وإعلاميون وخبراء اقتصاد فإن الانفتاح في السياسة الخارجية والجهود المحسوسة في استرداد أموال وأصول الشعب المنهوبة وتفكيك دولة التمكين وتوفير الحريات وإصلاح نظام التعليم والخطوة المرتقبة برفع أجور العاملين في الدولة بنسبة تفوق الـ 500 بالمئة، إضافة إلى التقدم النسبي في ملف السلام وإنهاء الحرب هي أبرز النجاحات حتى الآن، وفي المقابل هنالك العديد من التحديات التي تثير قلقا كبيرا في الشارع السوداني، من أبرزها الارتفاع المستمر في معدلات التضخم وانخفاض قيمة الجنيه والمشكلات الأمنية والثورة المضادة.
عودة عجلة الإنتاج
وبدا واضحا الاهتمام باستعادة عجلة الإنتاج المتوقفة من خلال البدء في إعادة تأهيل مشروع الجزيرة والجهود، التي بذلت لإنقاذ الموسم الشتوي، الذي تصادف مع الشهر الأول لبدء عمل الحكومة الانتقالية، وأثمر عن أفضل موسم لزراعة القمح على الإطلاق، حيث بلغ الإنتاج نحو مليون طن مقارنة مع 419 ألف طن في الموسم الماضي.
وتحدثت تقارير خلال الشهر الماضي عن بدء العمل في إعادة تأهيل محالج القطن ومصانع الزيوت بمارنجان بوسط البلاد، إضافة إلى افتتاح مصنع تقشير الفول السوداني.
وطرأ تحسن ملحوظ في الإمداد الكهربائي، الذي كان يشهد قطوعات متواصلة طوال الأعوام العشرة الماضية.
وجاء هذا التحسن على خلفية عمليات الصيانة وإعادة التأهيل المكثفة التي طالت عدد من محطات ومحولات الكهرباء والتوربينات المعطلة في مروي إضافة إلى مركز التحكم الرئيسي في جنوب الخرطوم.
أداء فوق المتوسط
وفيما يؤكد الخبير الاستراتيجي، أمين إسماعيل، على الأداء القوي لوزارة الصحة ولجنة الطوارئ في مواجهة جائحة كورونا، إلا أنه يرى أن الجائحة أثرت على أداء الحكومة خلال فترة الـ 250 يوما الماضية.
ويقول إسماعيل إن الأداء كان فوق المتوسط على الرغم من شراسة الثورة المضادة والتركة الثقيلة الموروثة من النظام السابق والقيود التي فرضتها جائحة كورونا، التي أثرت كثيرا على مستوى التعاون الدولي.
وبالنسبة لإسماعيل، فإن ملف السلام قد تعثر كثيرا بسبب تركيبة الوفد المفاوض وتعدد المسارات وعدم الالتزام بالسقوف الزمنية الموضوعة، وهو ما أثر بدوره على الملف الاقتصادي.
ويشير إسماعيل أيضا إلى مشكلة أخرى تتمثل في زيادة وتيرة الصراعات القبلية في بورتسودان والجنينة ونيالا وكسلا دون وجود خطة واضحة لإدارة الأزمة.
ويشير إسماعيل إلى الأداء القوي للجنة إزالة التمكين التي نجحت حتى الآن في الكشف عن الكثير من مكامن الفساد والاعتداءات على الأصول والأموال العامة التي تمت خلال فترة حكم النظام السابق.
أزمة كورونا
ويشير الخبير الاقتصادي، محمد شيخون، إلى أن أزمة كورونا استنزفت الكثير من الجهود وأعاقت التقدم في القضايا الأساسية، التي حددها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في أول مؤتمر صحفي بعد أداء القسم في سبتمبر الماضي، والتي كان أهمها ملفي السلام والمشكلة الاقتصادية.
ويقول شيخون إنه وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها الحكومة الانتقالية في تلك الملفات، إلا أن الوضع الموروث من النظام السابق معقد ولا يمكن إصلاحه بعصا سحرية.
ويرى أن قضية السلام تحتاج إلى تعجيل و ربما تأخر استكمال البناء مؤسسات المرحلة الانتقالية أثرت كثيرا في عدم حصول الإنجاز بمعدلات كبيرة لأن السلطة التشريعية لم تستكمل واستعيض عنها طوال الفترة الماضية بآلية تقوم على اتخاذ القرارات عبر اللقاءات المشتركة بين مجلسي السيادة والوزراء.
واعتبر شيخون أن فوضى الصادرات وخصوصا الذهب من أهم المشكلات التي تعيق تقدم الملف الاقتصادي نظرا لارتباط الكثير من عناصر النظام السابق بدوائر الصادر.
ويشدد على ضرورة الإسراع في وضع آليات فاعلة تحقق القيمة المضافة المنتظرة من الصادرات السودانية، على أن توكل مهمة التصدير لشركات مساهمة يتم إنشاؤها بمشاركة الدولة، خصوصا فيما يتعلق بالسلع الأساسية كمنتجات الثروة الحيوانية والحبوب الزيتية والقطن والصمغ العربي.
نتائج وعقبات
من جانبه، يلخص عادل خلف الله، القيادي في قوى الحرية والتغيير، نجاحات الحكومة الانتقالية خلال فترة الأشهر الثمانية الماضية في النتائج الملموسة التي تحققت على صعيد الكشف عن فساد النظام السابق والتي تجسدت من خلال القرارات الكبيرة التي أصدرتها لجنة إزالة التمكين والتي شملت استرداد أعداد ضخمة من العقارات والأصول المنهوبة إضافة إلى إلغاء بيع وتمليك العديد من المؤسسات والفنادق المهمة.
ومن أهم النجاحات التي يذكرها خلف الله الوعي الشعبي بعمق الأزمة الموروثة وحجم الخراب والفساد والذي لا يمكن علاجه بضربة قاضية وإنما بالصبر والجدية والنفس الطويل، وفدرة الشعب على حماية ثورته وضمان استمرار زخمها وتجديد حيويتها وهو ما يشكل ترياقا أمام مخططات قوي الثورة المضادة.
ويضيف خلف الله أن قرارات لجنة تصفية التمكين واسترداد الأموال المنهوبة أسهمت في رفع مناسيب الالتفاف حول الحكومة وفضحت المعلومات، التي قدمتها شراهة رموز النظام في الاستحواذ والسيطرة على مقدرات البلاد وثروات الشعب وفسادهم، الذي لم يخطر بخيال بشر.
أما بالنسبة للعقبات فوفقا لخلف الله فقد ادي عدم استكمال هياكل الحكم الانتقالي، لاسيما تعيين الولاة وتشكيل المؤسسة التشريعية إلى تفاقم الأوضاع المعيشية والسيولة الإدارية والأمنية، التي ساعدت قوي الثورة المضادة في إيجاد الأزمات والندرة وتعطيل انسياب السلع وارتفاع أسعارها.
رؤية مختلطة
وتلخص الإعلامية، درة قمبو، رؤيتها لأداء الحكومة الانتقالية خلال الفترة الماضية في النجاحات التي تحققت على صعيد الحريات التي صاحبت عملية الانتقال والجهود الظاهرة في استرداد المال المنهوب، إضافة إلى العقبات المرتبطة بملفي الاقتصاد والأمن.
وتقول قمبو إن المشكلة الاقتصادية ستظل هي حجر العثرة ومفتاح الحل في آن واحد، وكذا محور النجاح أو الفشل للحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك، لكن قمبو لا تستبعد إيجاد حلول بالنظر لتحسن علاقات البلد الخارجية وأيضا الخطط التنموية والاقتصادية المعلنة للحكومة في ظل حماسة الشارع للتغيير الجذري وتعالي الحس الوطني والاحساس بالذات الجمعي.
وتشرح قمبو رؤيتها بالقول: لا يمكن لأي متابع اغفال قيمة وتأثير خطوات مكافحة الفساد التي تتصدى لها لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد، لكن تبدو الحكومة أمام عقبات حقيقية تتمثل في حرج الوضع الاقتصادي وألغام المشاكل القبلية المتفرقة في أنحاء البلاد.